ثقافة وفنون

صُنَّاع التفاهة

بقلم /محمود خليفة

 

في أيامنا هذه ومن خلال وسائل الإعلام التي غزت البلاد والعباد، وأصبحت تلك الوسائل

مسيطرة على العقل والفؤاد، نلاحظ جليا مادة إعلامية هدفها الأوحد الربح والمال ضاربة

عرض الحائط بالاتجاهات والقيم والعلم والمعرفة؛ فسمعنا طبلا أجوف، نسمع له صوتا

من بعيد، وباطنه من الخيرات خالٍ؛ فتعطي كل الاهتمام لكائنات تافهة ونكرات هائجة،

وتغض الطرف عن العظماء في العلوم والفنون النافعة.

لقد أصبح من ثمار هذه الممارسات ظهور ما يُسمى صناعة التفاهات؛ فرأينا الآلة

الإعلامية كلها تسلط الضوء على الخلاف الناشب بين ممثلة وزوجها أو بين راقصة

والمُغَنّي لها، وأخرى من وسائل الإعلام والتواصل تسلط الضوء على أرازل الناس

والسفهاء الذين لا هم من أهل العلم فنقتدي بهم ولا من أولي الخُلُق فنتأسى بسيرتهم

العطرة، ولا أصحاب تجارب رائدة؛ فنطبق تجاربهم على الواقع فنحول الصحراء الجرداء

إلى واحة خضراء .

من المؤسف والعجيب أن نرى أناسا استساغت التفاهة وساهمت في صناعتها، وهنا

أقصد اثنين : الأول القائمون على تلك البرامج والمواقع ومروجو ما يُعرف (الترند)؛ لأنهم

لم يراعوا في الشعوب إلَّا ولا ذمة عندما سمحوا لأنفسهم أن يكونوا الأداة التي تصنع

التفاهات. الثاني :وهو الجمهور المتلقي للمادة الإعلامية ووسائل التواصل الذي جعل

نفسه ومَنْ يقوم على أمره من أهل بيته وغيرهم ممن ولاَّه الله أمرهم فريسة سائغة

لكل بخس ورخيص؛فأصبح يرفع شأن التافهين الذين يفسدون ولا يصلحون، والأغرب من

ذلك أن هؤلاء أنفسهم لهم ضجيج ونهيق؛ فيشكون الواقع ويلعنون المواقع، ومع ذلك لم

يغيروا الواقع للأفضل ولم يهملوا المواقع الهابطة بل يلهثون وراءها ويقتفون أثرها.

ومواجهة هذه الظاهرة يتطلب تكاتف الجهود من الدول والأفراد والشعوب والحكومات؛

فتعيد الدولة المساحات الإعلامية للنماذج المشرفة لتطل برأسها على الجمهور

والمشاهدين، وإنتاج الأعمال الدرامية التي تقدم القدوة والأسوة؛ فتسعيد مجدها ويلمع

بريقها، وعلى الأفراد أن يجنبوا أنفسهم وأجيالهم متابعة التفاهة والتافهين، وعلى

أصحاب القنوات والمواقع شركات أو أفراد أن يقدموا لنا ما ينفع وما به الخير يُسْتجلب،

ويجعلوا ضيوفهم أولي العلم وأرباب الإبداع ورواد التنمية؛ فيعود لنا مجدنا التليد وعزنا

العريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى